الجمعة، 31 مايو 2013

رجـــــب وما يحدث به من عجب

فضّل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجدّ العباد في وجوه البر،ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صدّ الناس عن سواء السبيل، وقعدوا لهم كل مرصد؛ ليحولوا بينهم وبين الخير، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، وميدان لتعاطي اللذات والشهوات.
وحرّضوا طوائف أخرى سواء أكانوا ممن قد يملكون نوايا طيبة ولكن غلب عليهم الجهل بأحكام الدين أو من ذوي المصالح والرياسات الدينية أو الدنيوية الخائفين على مصالحهم وزوال مواقعهم من مزاحمة مواسم الخير والسّنّة مواسم مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
قال حسان بن عطية: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة" (1)، بل قال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بعداً"(2).
ولعل من أبرز تلك المواسم البدعية: ما يقوم به بعض العباد في كثير من البلدان في شهر رجب ....... 


تابع القراءة ←

الثلاثاء، 28 مايو 2013

اللحن واللحانون

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه  و بعد :
قال بشر بن مروان - وعنده عمر بن عبد العزيز- لغلام له : ادعُ لي صالحاً ؛  فقال الغلام : يا صالحاً . فقال له بشر : ألق منها ألفْ . فقال عمر بن عبد العزيز : وأنت فزد في ألفك ألفا ! قلت انظر : أيهما أعجب لحن الغلام أم لحن بشر ؟ سترى أنَّ بشراً استدرك لحن الغلام حين قال : يا صالحاً وكان واجباً عليه أن يقول : يا صالح .. لكنَّ بشراً غفل عن لحن نفسه حيث قال للغلام ألق أي من صالحاً ـ ألفْ ؛ وكان واجباً أن يقول : ألق منها ألفاً .

ولذا عُدّ من الحماقة أن يتعالم المرء ويدعي الفقه والفهم في فن من الفنون قبل أن يتبحر فيه ويلم بجوانبه وحدوده ومسائله !

واللحن نقيض الإعراب فالفاعل مرفوع أبداً فمن نصبه فقد لحن ، والمفعول به منصوب دائماً فمن نصبه فقد أعرب . فالنحو والإعراب زينة الكلام وحليته ، وجماله وبهائه على حدّ قول القائل :

إقتبسِ النحو فنعم المُقْتَبَسْ *** والنحو زينٌ وجمالٌ مُلْتَمسْ

صاحبُه مُكرّمٌ حيث جَلَسْ *** من فاته فقد تعمّى وانتكس

كأنَّ ما فيه من الِعىّ خَرَسْ *** شتان ما بين الحمار والفرس

ولذا ذمّ العلماء والأدباء والفصحاء من لا يحسن الكلام ، ولا يجيد الإعراب فيخلط خلط الأعاجم ، قال الشاعر :

وكم من ماجد أضحى عديماً *** له حُسْنٌ وليس له بيانُ

وما حُسْنُ الرجال لهم يزينٍ *** إذا لم يُسعد الحُسْنَ اللسانُ

ولقد نشأ اللحن مبكراً ، وربّما في القرن الأول حين انتشرت الفتوحات الإسلامية ، ودخل الأعاجم في الإسلام بلغاتهم الأعجمية , وأخذوا يتعلمون العربية لشدة حاجتهم إليها, فمنهم من أجاد ومنهم من أخفق فاختلط إعرابهم بلحنهم, وبمرور الزمن وقلة العلم, وتفشي العامية أصبح اللحن هو فارس الميدان واستحيا كثير من المعربين من الحديث بكلام معرب, مراعاة لخاطر السواد الأعظم من اللحانين ! قال الجاحظ : "وأول لحن سمع بالبادية : هذه عصاتي ، والصواب : هذه عصاي ، وأول لحن سمع بالعراق : حيِّ على الفلاح وصوابه حيّ بالفتح ".

وقد خطب الوليد بن عبد الملك .. وكان لحّانة ـ فقال : (( ياليتها كانت القاضية )) بضم التاء ، وكان عمر بن عبد العزيز حاضراً فقال : عليك وأرحنا منك !

ومن طرائفهم في استهجان اللحن ما رُوي أنَّ رجلاً استأذن على إبراهيم النخعي فقال : "أبا عمران في الدار ؟ فلم يجبه ؛ فقال أبي عمران في الدار ؟ فلم يجبه فناداه : قلِ الثالثة وادخل أي : قل : أبو عمران في الدار لأنه لم يبق غيرها ، فتأمل !"
تابع القراءة ←

الاثنين، 27 مايو 2013

الداعية القدوة والسفر للسياحة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين   أما بعد:
فقد ظهرت على بعض الدعاة في السنوات القليلة الماضية عددٌ من الظواهر السلبية، كان من أبرزها وربما أخطرها تراجع عدد منهم في أخذ الدين بقوة، ومجاهدة النفس على السير على خطى أسلافهم من أهل العلم والدعوة في القيام بأمر الشريعة، وتعظيم شعائر الله، الأمر الذي لا ينكره إلا مكابر، ولعل من أهم أسباب ذلك التراجع: تكالب أعداء الإسلام من خارج بلاد المسلمين ومن داخلها على شأن هذا الدين، وكثرة النقد اللاذع للمنهج الإسلامي الصحيح، ثم ما صاحب ذلك من نقدٍ آخر ذاتي، كان أكثر ميلاً إلى الهدم منه إلى البناء، لاسيما من بعض الدعاة الذين اعتورهم شيء من الهزيمة النفسية، ناهيك عن شيوع فتاوى برامج الفضائيات والمعتمدة على ما يسمى بالتيسير بصرف النظر عن الدليل، الأمر الذي أنتج تراجعاً عند بعض الدعاة عن ذلك النهج الذي كانوا عليه إلى آخرَ هجين بين التميع والتميز؛ كل ذلك وغيره أدى إلى هذا الضعف العام الذي تشهده ساحة الدعوة، وخاصة فيما يتعلق بتميز أولئك الدعاة في عبادتهم وخلقهم ومظهرهم وربما طريقة تعاملهم مع قضايا الشريعة وأمور الدعوة، مما أدى إلى إفراز كثيرٍ من الظواهر المتعددة والمؤلمة والتي لم تكن تُعهد من قبل، وما ظاهرة السفر إلى خارج البلاد المحافظة التي يعيشون فيها، إلى أخرى مغايرة تماماً لتلك الطبيعة المحافظة، لا لشيء غير مجرد ما يعرف بالسياحة، أو الترويح عن النفس؛ إلا من هذه الظواهر.
وهنا نقول، بأن مِن الدعاة إلى الله مَن لا يكترث لهذا التميز أصلاً، فليس هو مقصودنا بهذا الحديث، وإنما مقصودنا أولئك الإخوة الذين اعتادوا أخذ هذا الدين بقوة {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف:145]، وأقاموا الشريعة بمأخذ الجد، فحملوا همَّ هذه الدعوة شهوراً متتابعة، طيلة العام باذلين أوقاتهم وجهدهم، منشغلين بدعوتهم عن ترفيه أنفسهم وأهل بيتهم وأبنائهم؛ فلا شك أن مثل هؤلاء قد يجدوا في أنفسهم، وفي من يعولون من أهلٍ وذرية، حاجة إلى شيء من الترفيه عن النفس بسفرٍ أو نزهةٍ أو ما شابه ذلك، وما من شك كذلك أن هذا أمر مباح لا بأس به، وقد يكون مطلوباً أحياناً، والأصل في السفر الإباحة، وقد يكون أحياناً مندوباً أو واجباً، ومرادنا في هذه المقالة ذلك السفر والانتقال إلى بلاد يكثر فيها الفساد والمنكر، من تبرجٍ وسفورٍ وتناول للخمور، وغيرها مما لا يخفى على أحد، كل ذلك وهذا الداعية والقدوة المسافر إلى تلك البلاد، يشهد ذلك كله أو بعضه، لكنه عاجز عن إنكار شيء منه، بل قد يلجأ إلى المكوث في موقع حدوث المنكر – كالمطارات، وأماكن التسوق، وبعض المطاعم، والطرقات - ساعات طوال، مشاهداً، أو مستمعاً، وترى كثيراً من هؤلاء الإخوة يتذرع بشبه واهية، لعل من أبرزها أنهم في رحلة إلى بلاد إسلامية، مع أن واقع كثيرٍ من هذه البلاد - للأسف - لا يختلف كثيراً عن أكثر بلاد الكفار من حيث مظاهر التبرج والسفور، والعري، وتناول الخمور، وفشو المنكرات.

ثم إن المرء ليعجب من قيام البعض منهم بحَثِّ الآخرين على الذهاب إلى تلك البلاد متذرعين بحجة المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للمسلمين هناك!، ولم يفرق أولئك الإخوة بين ما يمكن أن يقال للمفرِّطين من المسلمين الذين يريدون الذهاب إلى بلاد الكفر، وبين ما لا ينبغي على الدعاة فعله لا سيما من هم في موطن القدوة ، وكم هو نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حضور الأماكن التي تكثر فيها المنكرات، مع العجز عن إنكارها، -وهذا يشمل السفر والحضر- ، يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/239) : (ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التي يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار، إلا لموجب شرعي، مثل أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لا بد فيه من حضوره، أو يكون مكرهاً، فأما حضوره لمجرد الفرجة وإحضار امرأته تشاهد ذلك؛ فهذا مما يقدح في عدالته ومُروءته إذا أصرَّ عليه، واللّه أعلم) انتهى. وهذا مبنيٌ على ما هو مستقر ومعلوم من الشريعة بأن الأصل وجوب الإنكار باليد، أو اللسان، - والغالب أن ذلك متعذرٌ في أكثر تلك البلاد- فإن لم يمكن، فإنكار القلب هو أضعف الإيمان، والإنكار بالقلب كما قال العلماء يكون ببغض المنكر وهجرانه والبعد عنه لا بالذهاب إليه اختياراً دون مصلحة دينية أو دنيوية راجحة، كما هو ظاهر من كلام شيخ الإسلام وغيره، فمن تلك المصالح الدينية طلب العلم والدعوة إلى الله، ومن الدنيوية العلاج المتعذر في بلاد تخلو من تلك المنكرات، والتجارة التي لا بد منها، ونحو ذلك، أمَّا مجرد الذهاب لغرض الفرجة، أو النزهة، أو السياحة، فليست من ذلك في شيء، فكيف بمن يذهب بزوجته وأبنائه وبناته الذين بلغ بعضهم سن المراهقة؟!

ولو أن الداعية القدوة تأمل تلك المحاذير الشرعية والمفاسد الأخلاقية المترتبة على هذا النوع من السفر لأعاد النظر فيه، أو تردد قبل الإقدام عليه، لا سيما مع وجود نوع آخر من المنكرات، كاضطرار الداعية المسافر لوضع صور زوجته، وبناته، في جواز السفر ومن ثم رؤية الرجال لهن عند نقاط التفتيش، ومعابر الحدود وغيرها، ومن ذلك أيضاً اعتياد أبناء الدعاة وبناتهم واستمراؤهم مشاهدة تلك المنكرات، وهم مع ذلك يرون أباهم الداعية القدوة لا يحرك ساكناً، بل ربما اضطر أحياناً إلى محادثة نساء متبرجات و التعامل معهن!، ومن جهة أخرى فإن تكرار مثل هذا السفر، يولد لدى أسرة الداعية رغبة في مزيد منه حباً في التعرف على بلد جديد أو ثقافة مختلفة، ولذلك قلما ترى مسافراً لهذه الأماكن عاماً إلا وتراه يسافر العام أو الأعوام التي بعده، ومما يؤسف له أن ترى كثيراً من أبناء أولئك الدعاة وبناتهم وأسرهم يتفاخرون بأسفارهم تلك، وربما حثوا غيرهم على القيام بها، ولنا أن نتخيل حال ذلك الجيل الذي يمثِّلُ فيه أبناءُ الدعاة وبناتهم محط النظر، ومقصد الاقتداء.
وهنا نخاطب إخواننا الدعاة قائلين:
إذا كان لا يسوغ لنا التوسع في فعل المباح في بعض الأوقات، فكيف يسوغ لنا الإقدام على فعلٍ، أقل ما يقال فيه، أنه من المشتبهات المفضية إلى الحرام؟!
قال الأوزاعي رحمه الله: (كنا نمزح ونضحك فلما صرنا يقتدى بنا , خشيت ألا يسعنا التبسم) (سير أعلام النبلاء: 7/132)
و قال ابن القيم في (مدارج السالكين: 2/26):
(قال لي يوماً شيخ الإسلام -قدس الله روحه- في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة).
فنصيحتي لهؤلاء الدعاة -وكذا الداعيات- أن يعيدوا النظر في أسفارهم تلك، وليتذكروا أن ثمَّت من يقتدي بهم، وربما قلدهم في أفعالهم وتصرفاتهم، وأنهم بتصرفهم هذا يسيئون لأنفسهم، ولأبنائهم وبناتهم، ولدعوتهم ولطلابهم ومن يقتدي بهم، وليبحثوا عن بدائل تتناسب مع مقامهم الذي وضعهم الله فيه، وهي كثيرة ومتوفرة ولله الحمد، وإن لم تكن بمستوى التطور الذي يجدونه هناك.
وأخيراً قد يقول بعض هؤلاء إنَّ حجم التغيرات التي تشهدها الساحة تتجاوز الحديث في مثل هذه الموضوعات، فبلاد المسلمين تُحتَل وتُدَمَّر، وأنت تتحدث عن ظواهر سلبية عند بعض الدعاة وعن سفرهم للسياحة، فأقول:
إن كان الأمرُ كذلك –وهو كذلك - فكيف يسوغ لكم السفر للسياحة والنزهة وصرف الأموال فيها؟!
وقد يقول آخرون: إن الزمان قد تغير والمنكرات موجودة في كل مكان، فأقول:
هذا صحيح، وعين المرء لا تخطئ ذلك، لكن، هل السفر للسياحة ومخالطة المنكرات وضياع الأموال والأعمار تُصلح فساد المجتمعات؟ ألسنا الآن أحوج من ذي قبل إلى تميزنا وتمسكنا بديننا؟!

اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
تابع القراءة ←
;